الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآية رقم (93): {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)}هذه الفاظ عامة فكل من واقع شيئاً مما يدخل تحت هذه الألفاظ فهو داخل في الظلم الذي قد عظمه الله تعالى بقول: {ومن أظلم} أي لا أحد أظلم وقال قتادة وغيره: المراد بهذه الآيات مسيلمة والأسود العنسي، وذكروا برؤية النبي عليه السلام للسوارين وقال السدي: المراد بها عبد الله بن سعد بن أبي سرح الغامدي وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة فلما نزلت {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر} [المؤمنون: 14] فقال عبد الله بن سعد من تلقاء نفسه {فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 23] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتبها فهكذا أنزلت»، فتوهم عبد الله ولحق بمكة مرتداً وقال أنا أنزل مثل ما أنزل الله، وروي عنه أيضاً أن النبي عليه السلام ربما أملى عليه {والله غفور رحيم} فبدلها هو {والله سميع عليم} فقال النبي عليه السلام: «ذلك سواء ونحو هذا»، وقال عكرمة: أولها في مسيلمة والأخر في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وذكر الزهراوي والمهدوي أن الآية نزلت في النضر بن الحارث لأنه عارض القرآن بقوله والزارعات زرعاً والخابزات خبزاً إلى غير ذلك من السخافات.قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: فخصص المتأولون في هذه الآيات ذكر قومٍ قد يمكن أن كانوا أسباب نزولها ثم هي إلى يوم القيامة تتناول من تعرض شيئاً من معانيها كطليحة الأسدي والمختار بن أبي عبيد وسواهما وقرأ الجمهور {سأنزل مثل ما أنزل} بتخفيف وقرأ أبو حيوة {سأنَزّل} بفتح النون وتشديد الزاي.قوله عز وجل: {ولو ترى إذ الظالمون} الآية، جواب {لو} محذوف تقديره لرأيت عجباً أو هولاً ونحو هذا وحذف هذا الجواب أبلغ من نصه لأن السامع إذا لم ينص له الجواب يترك مع غاية تخيله و{الظالمون} لفظ عام لمن واقع ما تقدم ذكره وغير ذلك من أنواع الظلم الذي هو كفر و{الغمرات} جمع غمرة وهي المصيبة المبهمة المذهلة، وهي مشبهة بغمرة الماء، ومنه قول الشاعر [بشر بن أبي خازم]: [الوافر]{والملائكة} ملائكة قبض الروح، و{باسطو أيديهم} كناية عن مدها بالمكروه كما قال تعالى حكاية عن ابني آدم: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني} [المائدة: 28].وهذا المكروه هو لا محالة أوائل عذاب وأماراته، قال ابن عباس: يضربون وجوههم وأدبارهم، وأما البسط لمجرد قبض النفس فإنه يشترك فيه الصالحون والكفرة، وقيل إن المراد بسط الأيدي في جهنم، والغمرات كذلك لكنهم لا يقضى عليهم فيموتوا، وقوله: {أخرجوا أنفسكم} حكاية لما تقولة الملائكة، والتقدير يقولون أخرجوا أنفسكم، ويحتمل قول الملائكة ذلك أن يريدوا فأخرجوا أنفسكم من هذه المصائب والمحن وخلصوها إن كان ما زعمتموه حقاً في الدنيا، وفي ذلك توبيخ وتوقيف على سالف فعلهم القبيح، قال الحسن: هذا التوبيخ على هذا الوجه هو في جهنم، ويحتمل أن يكون ذلك على معنى الزجر والإهانة كما يقول الرجل لمن يقهره بنفسه على أمر ما أفعل كذا، لذلك الأمر الذي هو يتناوله بنفسه منه على جهة الإهانة وإدخال الرعب عليه.وقوله تعالى: {اليوم تجزون عذاب الهون} الآية، هذه حكاية عن قول الملائكة للكفرة عند قبض أرواحهم، و{الهون} الهوان ومنه قول ذي الصبع: [البسيط] وقرأ عبد الله بن مسعود وعكرمة {عذاب الهوان} بالألف.وقوله تعالى {تقولون على الله غير الحق} لفظ جامع لكل نوع من الكفر ولكنه يظهر منه ومن قوله: {وكنتم عن آياته تستكبرون} الإنحاء على من قرب ذكره من هؤلاء الذين ادعوا الوحي وأن ينزلوا مثل ما أنزل الله، فإنها أفعال بين فيها {قول غير الحق على الله} وبين فيها الاستكبار. .تفسير الآية رقم (94): {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}هذه حكاية عما يقال لهم بعد قبض أرواحهم، فإما عند خروجها من الأجساد وإما يوم القيامة كل ذلك محتمل، و{فرادى} معناه فرداً فرداً، والألف في آخره ألف تأنيث ومنه قول الشاعر [ابن مقبل]:وقرأ أبو حيوة {فرادىً} منوناً على وزن فعال وهي لغة تميم، و{فرادى} قيل هو جمع فرَد بفتح الراء، وقيل جمع فرْد بإسكان الراء والمقصد في الآية توقيف الكفار على انفرادهم وقلة النصير واحتياجهم إلى الله عز وجل بفقد الخول والشفعاء، فيكون قوله: {كما خلقناكم أول مرة} تشبيهاً بالانفراد الأول في وقت الخلقة، ويتوجه معنى آخر وهو أن يتضمن قوله: {كما خلقناكم} زيادة معان على الانفراد كأنه قال ولقد جئتمونا فرادى وبأحوال كذا، والإشارة على هذا بقوله كما هي إلى ما قاله النبي عليه السلام في صفة من يحشر أنهم يحشرون حفاة عراة غرلاً، و{خولناكم} معناه أعطيناكم، وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد بيت زهير: [الطويل]: {وراء ظهوركم} إشارة إلى الدنيا لأنهم يتركون ذلك موجوداً.وقوله تعالى: {وما نرى معكم شفعاءكم} الآية، توقيف على الخطأ في عبادة الأصنام وتعظيمها، قال الطبري: وروي أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث لأنه قال سوف تشفع له اللات والعزى.قال القاضي أبو محمد: ومن كان من العرب يعتقد أنها تشفع وتقرب إلى الله زلفى ويرى شركتها بهذا الوجه فمخاطبته بالآية متمكن وهكذا كان الأكثر، ومن كان منهم لا يقر بإله غيرها فليس هو في هذه الآية، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر، وحمزة {بينُكم} بالرفع، وقرأ نافع والكساء {بينَكم} بالنصب أما الرفع فعلى وجوه، أولاها أنه الظرف استعمل اسماً وأسند إليه الفعل كما قد استعملوه، اسماً في قوله تعالى: {من بيننا وبينك حجاب} [فُصّلت: 5] وكقولهم فيما حكى سيبويه أحمر بن بين العينين، ورجح هذا القول أبو علي الفارسي، والوجه الآخر أن بعض المفسرين منهم الزهراوي والمهدوي وأبو الفتح وسواهم حكوا أن {البين} في اللغة يقال على الافتراق وعلى الوصل فكأنه قال لقد تقطع وصلكم.قال القاضي أبو محمد: وفي هذا عندي اعتراض لأن ذلك لم يرو مسموعاً عن العرب وإنما انتزع من الآية، والآية محتملة، قال الخليل في العين {والبين} الوصل.لقوله عز وجل: {لقد تقطع بينكم} فعلل سوق اللفظة بالآية، والآية معرضة لغير ذلك، أما إن أبا الفتح قوى أن {البين} الوصل وقال: وقد أتقن ذلك بعض المحدثين بقوله: قد أنصف البين من البين.والوجه الثالث من وجوه الرفع أن يكون البين على أصله في الفرقة من بان يبين إذا بعد، ويكون في قوله: {تقطع} تجوز على نحو ما يقال في الأمر البعيد في المسافة تقطعت الفجاج بين كذا وكذا عبارة عن بعد ذلك، ويكون المقصد لقد تقطعت المسافة بينكم لطولها فعبر عن ذلك بالبين الذي هو الفرقة، وأما وجه قراءة النصب فأن يكون ظرفاً ويكون الفعل مستنداً إلى شيء محذوف وتقديره لقد تقطع الاتصال أو الارتباط بينكم أو نحو هذا.قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا وجه واضح وعليه فسره الناس: مجاهد والسدي وغيرهما، وجه آخر يراه أبو الحسن الأخفش وهو أن يكون الفعل مسنداً إلى الظرف ويبقى الظرف على حال نصبه وهو في النية مرفوع، ومثل هذا عنده قوله: {وإنّا منا الصالحون ومنا دون ذلك} [الجن: 11] وقرأ ابن مسعود ومجاهد والأعمش تقطع ما بينكم بزيادة ما و{ضل} معناه تلف وذهب، و{ما كنتم تزعمون} يريد دعواهم أنها تشفع وتشارك الله في الألوهية. .تفسير الآيات (95- 96): {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}هذا ابتداء تنبيه على العبرة والنظر، ويتصل المعنى بما قبله لأن القصد أن الله لا هذه الأصنام، وقال مجاهد وأبو مالك هذه إشارة إلى الشق الذي في حبة البر ونواة التمر.قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والعبرة على هذا القول مخصوصة في بعض الحب وبعض النوى، وليس لذلك وجه، وقال الضحاك وقتادة والسدي وغيرهما هذه إشارة إلى فعل الله في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة عنه.قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا هو الظاهر الذي يعطي العبرة التامة، فسبحان الخلاق العليم، وقال الضحاك: {فالق} بمعنى خالق، وقال السدي وأبو مالك: {يخرج الحي من الميت} إشارة إلى إخراج النبات الأخضر والشجر الأخضر من الحب اليابس والنوى اليابس، فكأنه جعل الخضرة والنضارة حياة واليبس موتاً و{مخرج الميت من الحي} إشارة إلى إخراج اليابس من النبات والشجر، وقال ابن عباس وغيره، بل ذلك كله إشارة إلى إخراج الإنسان الحي من النطفة الميتة وإخراج النطفة الميتة من الإنسان الحي، وكذلك سائر الحيوان والطير من البيض والحوت وجميع الحيوان.قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أرجح وإنما تعلق قائلو القول الأول بتناسب تأويلهم مع قوله: {فالق الحب والنوى} وهما على هذا التأويل الراجح معنيان متباينان فيهما معتبر، وقال الحسن: المعنى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وقوله: {ذلك} ابتداء وخبر متضمن التنبيه، {فأنّى تؤفكون} أي تصرفون وتصدون و{فالق الإصباح} أي شاقه ومظهره، والفلق الصبح، وقرأ الجمهور {فالق الإصباح} بكسر الهمزة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وعيسى بن عمر وأبو رجاء {فالق الإصباح} بفتح الهمزة جمع صبح، وقرأت فرقة {فالق الإصباح} بحذف التنوين {فالقُ} لالتقاء الساكنين، ونصب {الإصباحَ} ب {فالقٌ} كأنه أراد {فالق الإصباح} بتنوين القاف، وهذه قراءة شاذة، وإنما جوز سيبويه مثل هذا في الشعر وأنشد عليها: [المتقارب]وحكى النحاس عن المبرد جواز ذلك في الكلام، وقرأ أبو حيوة وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب {فلق الإصباح} بفعل ماض، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر {وجاعل الليل} وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {وجعل الليل}، وهذا لما كان {فالق} بمعنى الماضي فكأن اللفظ {فلق الإصباح} وجعل، ويؤيد ذلك نصب {الشمسَ والقمرَ}، وقرأ الجمهور {سكناً} وروي عن يعقوب {ساكناً} قال أبو عمرو الداني ولا يصح ذلك عنه، ونصبه بفعل مضمر إذا قرأنا {وجاعل} لأنه بمعنى المضي، وتقدير الفعل المضمر وجاعل الليل يجعله سكناً، وهذا مثل قولك هذا معطي زيد أمس درهماً، والذي حكاه أبو علي في هذا أن ينتصب بما في الكلام من معنى معطي، وقرأ أبو حيوة {والشمسِ والقمرِ} بالخفض عطفاً على لفظ {الليل} و{حسباناً} جمع حساب كشهبان في جمع شهاب، أي تجري بحساب، هذا قول ابن عباس والسدي وقتادة ومجاهد، وقال مجاهد في صحيح البخاري المراد حسبان كحسبان إلى حي وهو الدولاب والعود الذي عليه دورانه. .تفسير الآيات (97- 98): {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}هذه المخاطبة تعم المؤمنين والكافرين، فالحجة بها على الكافرين قائمة والعبرة بها للمؤمنين ممكنة متعرضة، و{جعل} هنا بمعنى خلق لدخولها على مفعول واحد، وقد يمكن أن تكون بمعنى صير ويقدر المفعول الثاني في {لتهتدوا} لأنه يقدر وهو الذي جعل لكم النجوم هداية، و{في ظلمات} هي هاهنا على حقيقتها في ظلمة الليل بقرينة النجوم التي لا تكون إلا بالليل، ويصح أن تكون {الظلمات} هاهنا الشدائد في المواضع التي يتفق أن يهتدي فيها الشمس، وذكر الله تعالى النجوم في ثلاث منافع وهي قوله: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح} [المُلك: 5] وقوله: {وجعلناها رجوماً للشياطين} [المُلك: 5] وقوله: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} فالواجب أن يعتقد أن ما عدا هذه الوجوه من قول أهل التأثير باطل واختلاق على الله وكفر به، و{فصلنا} معناه بينا وقسمنا و{الآيات} الدلائل و{لقوم يعلمون} تخصيص لهم بالذكر وتنبيه منهم لتحصلهم الآية المفصلة المنصوبة، وغيرهم تمر عليهم الآيات وهم معرضون عنها، وقوله: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع} الآية، الإنشاء فعل الشيء، و{من نفس واحدة} يريد آدم عليه السلام، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي {فمستقَر} بفتح القاف على أنه موضع استقرار، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {فمستقِر} بكسر القاف على أنه اسم فاعل، وأجمعوا على فتح الدال من {مستودَع} بأن يقدر موضع استيداع، وأن يقدر أيضاً مفعولاً ولا يصح ذلك في مستقر لأن استقر لا يتعدى فيبنى منه مفعول أما أنه روى هارون الأعور عن أبي عمرو {ومستودِع} بكسر الدال، فمن قرأ {فمستقَر ومستودِع} على أنها موضع استقرار وموضع استيداع علقها بمجرور تقديره فلكم مستقر ومستودع، ومن قرأ {فمستقِر ومستودع} على اسم الفاعل في {مستقِر} واسم المفعول في {مستودَع} علقها بمجرور تقديره فمنكم مستقر ومستودع واضطرب المتأولون في معنى هذا الاستقرار والاستيداع، فقال الجمهور مستقر في الرحم ومستودع في ظهور الآباء حتى يقضي الله بخروجهم، وقال ابن عون: مشيت إلى منزل إبراهيم النخعي وهو مريض فقالو قد توفي فأخبرني بعضهم أن عبد الرحمن بن الأسود سأله عن {مستقر ومستودع} فقال: مستقر في الرحم ومستودع في الصلب، وقال الحسن بن أبي الحسن: مستقر في القبور ومستودع في الدنيا، وقال ابن عباس: المستقر الأرض والمستودع عند الرحم، وقال ابن جبير: المستودع في الصلب والمستقر في الآخرة والذي يقتضيه النظر أن ابن آدم هو مستودع في ظهر أبيه وليس بمستقر فيه استقراراً مطلقاً لأنه ينتقل لا محالة ثم ينتقل إلى الرحم ثم ينتقل إلى القبر ثم ينتقل إلى المحشر ثم ينتقل إلى الجنة أو النار فيستقر في أحدهما استقراراً مطلقاً، وليس فيها مستودع لأنه لا نقله له بعد وهو في كل رتبة متوسطة بين هذين الظرفين {مستقر} بالإضافة إلى التي قبلها و{مستودع} بالإضافة إلى التي بعدها لأن لفظ الوديعة يقتضي فيها نقلة ولا بد، و{يفقهون} معناه يفهمون وقد تقدم تفسير مثل هذا آنفاً.
|